كلمة المناضل - عدد - كي يحمل العام الجديد أملاً جديداً ....!!
كلمة المناضل العدد 287 ت2 ـ ك 1 1997
كي يحمل العام الجديد أملاً جديداً ....!!
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
في تصريح مثير قد يظنه البعض مستغرباً كشف بنيامين نتنياهو عن أنه لن ينسحب من الضفة الغربية لأنها تشكل الحديقة الخلفية لدولة إسرائيل وأنها جزء منها . وهذا ليس مستغرباً لمن يعرف حقيقة العدو الصهيوني ومبادئه وطريقة تفكيره ونوياه التوسعية منذ المؤتمر الصهيوني الأول قبل مئة عام .
إن الإرث الفكري لغلاة الصهاينة فيما يتعلق بحدود الدولة هو الإرث التوراتي المعروف بأنه " حدودك ياسرائيل من النيل إلى الفرات " .
أما السياسة الصهيونية في العصر الراهن فإنها تعلن بأنه ( ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط لا يوجد مكان إلا لدولة إسرائيل ) .
وهذه العقيدة الصهيونية يشترك فيها معظم الأحزاب الرئيسية التي تداورت على الحكم في دولة العدو منذ إنشائها قبل خمسين عاماً حتى الآن .
وإن أظهر بعضها كحزب العمل في السنوات الأخيرة مرونة في العمل السياسي للتعاطي مع المبادرة الأميركية فيما يتعلق بالمفاوضات حول إقرار السلام ، خصوصاً بعد التغيرات السياسية الكبرى التي حدثت في العالم إثر تفكك دول المنظومة الاشتراكية وزوال خطرها على السياسة الأميركية ومصالحها وغالباً ما أظهرت تلك المرونة ما تخفيه من تصلب صهيوني وتمسك بالأرض خلال مسيرة المفاوضات التي أدارها حزب العمل أثناء توليه الحكم ، ولا يخفى على أي مطلع ومدرك للسياسة الصهيونية أن الخلافات بين تلك الأحزاب والكتل السياسية الصهيونية إنما هي خلاف على البرامج الاجتماعية والسياسية الداخلية لإدارة الحكم في دولة إسرائيل وتحقيق المصالح للقطاعات التي ترتبط بها تلك الأحزاب ، ولم يكن موضوع الحرب والسلام أو الانسحاب من الأراضي المحتلة موضع خلاف أساسي بينها في يوم من الأيام .
لقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة في دولة إسرائيل أن شعبية رئيس الوزراء المتزمت بنيامين نتنياهو ترتفع كلما ازداد موقفه تصلباً من مسألة إقرار السلام أو التمسك بالأرض وعدم الانسحاب منها ، إن هذا الأمر لم يأت من فراغ ، بمعنى أن لهذا التزمت والتعصب الصهيوني جذور عميقة وتأييد كبير داخل الكيان الصهيوني وهو أمر لم يكن موجوداً على هذا النطاق الواسع قبل اتفاقات السلام التي توصلت لها بعض الأطراف العربية مع دولة العدو والتنازلات الهائلة التي قدمتها له .
إن الوهم الذي اعترى بعض العرب من أن مزيداً من التنازلات يعطي السلام فرصة ويسهل له الطريق ، أن هذا الوهم هو الخدعة الصهيونية التي أرادوا أن يبتلعها هؤلاء العرب كي يوقعوا لهم على مزيد من عقود الإذعان حتى قيدتهم وحاصرتهم وأفقدتهم حريتهم . إنهم اليوم أسرى تلك السياسية ويعانون مما حذرهم منه الحزب ويحذر دائماً ، بأن الرضوخ لإرادة العدو واستجدائه لم يعيدا الأرض والحقوق إنما ستكون النتيجة كما نراها الآن .
إن الموقف المتشدد للقادة الصهاينة والموقف المتخاذل لبعض العرب قد أعطى الانطباع لبعض الدوائر الاستعمارية والغربية بأن كلا الموقفين صحيحاً ، مما دفعها إلى التمادي في تأييد إسرائيل ومواقف قادتها ونراها اليوم ولأول مرة في تاريخها تجاهر بمحاباتها وإعلان بعض المواقف والتصرفات التي لا تدل على التأييد السياسي والمعنوي فحسب بل وتدل أحياناً على المغالاة في التأييد العقائدي كما يحدث في بعض تصرفات الفاتيكان ـ رأس الكنيسة الكاثوليكية ـ وغيره .
إن تماسك العرب ووحدتهم وتنسيق مواقفهم واتفاقهم على موقف سياسي واضح هو وحده الكفيل بجعل الآخرين يعتدلون في مواقفهم ويراعون المصالح والحقوق العربية .
إن الولايات المتحدة الأميركية وبما فيها من مجموعات الضغط الصهيونية لم تعد تشعر بالخوف على مصالحها وسياستها فيما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط ، أو الخوف على مصالحها النفطية في الدول التي تستثمر نفطها لأن المواقف السياسية لمعظم تلك الدول لا تتجاوز ما تطلبه الولايات المتحدة ولا تتعارض معها ، وان حدث بعض الخروج الخجول أحياناً عن تلك السياسة فلا يشكل ذلك خطراً تخشاه الصهيونية وأميركا. لذلك فرعايتها لعملية السلام فاترة ولم تعد تضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بما اتفق عليه أو الالتزام بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة .
لقد حذر حزبنا وعلى لسان أمينه العام الرفيق حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية مراراً من مخاطر التفكك العربي ودعا إلى وضع حد لهذا التداعي والانهيار وحض على انتهاج سياسة واضحة أمام الغطرسة الصهيونية لأنه بغير ذلك ستزداد الأمور تعقيداً وتخسر الأمة العربية فرصاً ثمينة ووقتاً مهماً لاستعادة حقوقها وتحرير أرضها.
ونحن نستقبل عاماً جديداً لابد لنا من أن نراجع السياسة المتعثرة التي قادت إلى هذا الوضع المتردي وان تضع الأمة العربية السياسة الصحيحة لمواجهة العدو ، سياسة تحفظ الكرامة وتتمثل التراث المجيد للأمة ، سياسة تعيد الأرض والحقوق وتحفظ للأجيال القادمة حقها في الحياة .